فصل: الصنف الثاني عشر المكاتبة بالأوامر والنواهي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الصنف الثاني عشر المكاتبة بالأوامر والنواهي

قال في مواد البيان‏:‏ على هذه الكتب مدار أشغال السلطان في أعماله لأنها النافذة في تصريف الأمور وتنفيذ المراسيم ولاية وعمالة‏.‏

قال‏:‏ وليس لهذه أمثلة فنوردها لكنه ينبغي للكاتب أن يؤكد القول بها فإن الأمر فيها والنهي - وإن اختلف نظمها - نوع واحد لأن كل مأمور به منهي عن ضده وكل منهي عن ضده مأمور بضده فينبغي له أن يؤكد القول في امتثال ما أمر والعمل عليه والانقياد له والانتهاء عما نهى عنه والحذر من الإمام به‏.‏

ويجزم المر في العبارة عنهما جزماً تاماً لا يتمكن معه من الإخلال ببعضهما والنقص فيهما لهوى ويأتي من المبالغة بما يضيق العذر ومتى وقع تقصير أو تثاقل عما حدد فيهما فإنما يمثل مثل ذلك جامعة من تفنن المعاني التي يأمر بها وينهى عنها‏.‏

ثم قال‏:‏ والكاتب إذا عرف الترتيب الواقع في ذهين الغرضين على طريق الإجمال أمكنه أن يبسطه إذا احتاج إلى التفصيل والبيان بمشيئة الله تعالى‏.‏

واعلم أن كان للخلفاء والملوك وولاة الأمور في قديم الزمان عناية بالكتابة إلى الرعايا بالأوامر والنواهي المتعلقة بالدين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يجري مجرى ذلك وغلى العمال بالوصية بالرعايا والاجتهاد فيما لديهم م جباية الخراج والاهتمام بأمر الدواوين وما أشبه ذلك‏.‏

فأما الأوامر والنواهي المتعلقة بالدين فقد تقدم في الكلام على مصطلح أهل الغرب في أوائل هذه المقالة من إنشاء أبي زيد الفازازي ما أغنى ذكره هناك عن إعادته هنا أو ذكر غيره‏.‏

وأما الأوامر والنواهي المتعلقة بأمور السلطنة فمن ذلك ما كتب به أبو عبد الله بن الجنان عن الأمير أبي عبد الله بن هود أحد ملوك الطوائف بالأندلس في الرفق بالرعية وهو‏:‏ أما بعد الحمد لله تعالى معلي منار الحق ورافعه ومولي متوالي الإنعام ومتتابعه والصلاة على سيدنا محمد رسوله مشفع الحشر وشافعه المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه والذابين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتزام وقواطعه فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم عزة قدحها بالثبوت فائز وسعادة قسطها للنماء حائز من فلانة‏:‏ وكلمة الحق منصورة اللواء منشورة الأضواء والتوكل على الله وشكره وصلتنا إلى نيل مزيد النعماء والآلاء ومكانتكم لدينا مكانة السني المناصب المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب والمتحلي بالغناء والاكتفاء والخلوص والصفاء بأكرم السجيات والمناقب المعلوم ما لديه من المناصحة السالكة بأكرم السجيات في المناجي الحسان على المهيع الأوضح والسنن الأرحب‏.‏

وقد وقفنا على كتابكم معلماً بخبر فلانة وربما رأيتموه من المصلحة في تحصينها والاجتهاد في سبب تأمينها ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح وتتوخون ما تتوسمون فيه النجاح لكن أهم الأمور عندنا وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا الرفق بالرعية وحملها على قوانين الإحسان المرعية وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب أهل فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرفين فيهم ويتظلمون من متحيفيهم ومتعسفيهم وفي هذا ما لا يخفى عليكم ولا ترضون به لو انتهى إليكم ولا يعلم طريق الرفق الحاوية لرفق الخاصة والجمهور أعاد التسكين تنفيراً والتيسير تعسيراً وتعلمون أنا لا نقدم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملاً ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلاً وأنتم أول وأولى من يعتقد فيه أنه يكمل هذا المقصد ويتحرى في مصالح الرعايا هذا السنن الأرشد وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم ويبسط أملهم وعرفناهم بأنكم لو علمتم ما هو جار عليهم من بعض الخدمة لأخذتم على يده وجازيتموه بسوء معتمده وأشعرناهم بأنا قد أوصيناكم بهم خيراً ونبهناكم على ما يدفع عنهم ضيماً ويرفع ضيراً وأنتم - إن شاء الله - تستأنفون نظراً جميلاً وتؤخرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلاً وتقدمون عليهم من تحسن فيهم سيرته وتكرم في تمشية الرفق علانيته وسريرته ومثلكم لا يؤكد عليه في مذهب تحسن عواقبه وغرض يوافقه القصد الاحتياطي ويصاحبه إن شاء الله تعالى‏.‏

الصنف الثالث عشر المكاتبة عند حدوث الآيات السماوية قال في مواد البيان‏:‏ جرت العادة أن يكتب السلطان إلى الرعايا عند حدوث الآيات المهولة التي يريد الله تعالى بها إرشاد عباده‏:‏ إلى الإقلاع عن معصيته والإقبال على طاعته كالرياح الواصف والزلازل والصواعق واحتباس القطر وخروجه في التسكاب عما جرت به العادة كتباً يضمنها من الوعظ الشافي الرقيق ما يأخذ بمجامع القلوب ويشعرها التقوى والرهبة ويبعث على المراقبة والنظر في العاقبة‏.‏

قال‏:‏ وينبغي للكاتب أن يتلطف في الموعظة ويبالغ في الذكرى التي تخطر الخواطر وتقدحا الأنفس وتحرك العزائم نحو الإخلاص فإنه إذا أبرز هذه المعاني في صورة تشعر الخيفة من غضب الله تعالى وعقبه وترغب في عفوه وثوابه نفع الله بذلك من رغب عن الهوى ورغب في التقوى بكتابه‏.‏

قال‏:‏ والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على آلائه التي يفضيها ابتلاء واختبار وآياته التي يرسلها يخويفاص وإنذاراً وموهبته في التوقف بسابغ نعمته على طاعته والتحذير بدافع نقمته من معصيته والصلاة على رسوله الذي أنقذ بشفاعته وعصم من نزول القوارع بنبوته‏.‏

ثم يقدم مقدمة تتضمن أن الله تعالى يقدم الإعذار أمام سخطه وعذابه ويبدأ بالإنذار قبل غضبه وعقابه فمن استيقظ من سنته ونظر لعاقبته ونهض إلى طاعته وأقلع عن معصيته كشف الرين عن قلبه وضاعف أجره ومن أضرب من موعظته وتعامى عن تبصيره وتذكيره أخذه على غرته وسلبه سربال نعمته‏.‏

ثم يأخذ في حث الأمة على الفزع إلى الصلوات والمسارعة إلى بيوت العبادات والإكثار من التضرع والخشوع الاستكانة والخنوع بإذراء سحائب الدموع وإخلاص التوبة عن محتقب الآثام ومخترع الأوزار والتوسل إلى الله تعالى في قبول الإنابة بقلوب نقية وطويات على الطهارة مطوية وسرائر صريحة ونيات صحيحة يصدقها الندم على الماضي وعقد العزم على الإقلاع في الآتي والرغبة إليه في رفع سخطه وإنزال رحمته وما يجاري هذا‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات قد ترك في زماننا فلا عناية لأحد به أصلاً وإن كان مما يجب الاهتمام به وتقديمه‏.‏

الصنف الرابع عشر‏:‏ المكاتبات في التنبيه على شرف مواسم العبادة وشريف الأزمنة‏.‏

قال في مواد البيان‏:‏ إن الله وقت لعباده أوقاتاً عظم شانها ورفع مكانها وأمرهم أن يتقربوا فيها إليه بتأدية ما فرضه عليهم لطفاً بهم ورأفة وحناناً ورحمة‏.‏

قال‏:‏ ولم يزل السلطان يكتب إلى عماله بتنبيه الرعايا عليها وتعريفهم فضل العبادة فيها ليستقبلوا بالإخبات والخشوع ويتلقوها بالتضرع والخضوع ويتوسلوا في قبول التوبات وغفران الخطيات حفظاً للنظام الدين وتفقداً لمصالح المسلمين‏.‏

قال‏:‏ وينبغي للكاتب أن يحسن في هذا الكتب ويذكر الناسي وينبه الغافل اللاهي والمهمل الساهي ويحرك النفوس نحو مصالحها ويبعثها على الأخذ بفاضل الأعمال وصالحها‏.‏

قال‏:‏ والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على أن وهب لعباده أوقاتاً يقبل فيها قربهم وأعمالهم ويخفف بالإنابة إليه عند حلولها أوزارهم وأثقالهم فيغفر لمستغفرهم ويعفو عن مسيئهم ويقبل التوبة من تلئبهم والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله‏.‏

ثم يقدم مقدمة مبنية على تعظيم هذه الأوقات والإنابة عما قصرها على العبادات والمسابقة إلى لخيرات من عظيم الثواب‏.‏

ويشفع ببعث الولاة على أخذ الرعايا بالمحافظة على السنن وتعهد حق الله تعالى فيها والتوسع في توكيد الحجة ونفي الشبهة وإيراد المواعظ الرادعة والزواجر الوازعة التي تعود بشحذ البصائر وصفاء الضمائر والإتيان بحقوق هذه الأوقات وواجباتها والفوز بما يوفره من جزيل بركاتها والتوفر على حسن مجاورتها والتقرب إلى الله تعالى ببذل الصدقات والإقبال على الصلوات وزيادة بيوت العبادات ومذاكرة أهل الدين والسعي في مصالح المسلمين ونحو ذلك مما يناسبه‏.‏

ثم قال‏:‏ فإن كان الكتاب مقصوراً على الدعاء افتتح بالحمد على أن جعل لعباده حرماً آمناً يمحص ذنوبهم بزيادته ويمحو آثامهم بحجه ووفادته ويلي ذلك ما يليق به من الحث على تأدية المناسك وتكميل الفرائض والسنن وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الحكم في سائر الأبواب الدينية‏.‏

الصنف الخامس عشر‏:‏ المكاتبة بالسلامة في الركوب في المواسم والأعياد وما ينخرط في سلكها من المواكب الجامعة‏.‏

قال في مواد البيان‏:‏ جرت العادة أن يكاتب السلطان عماله وولاته بسلامة المواسم الإسلامية كلها لأنها تشاهد لجميع أصناف الرعايا وذوي الآراء المختلفة والمذاهب المتباينة والقلوب المتعادية والمتصاحبة في أمر الدين والدنيا وكل متربص لفتنة ينتهز فرصتها‏.‏

فلا تكاد هذه المشاهد تخلو من ثورة وحدوث أحداث منكرة تقضي إلى الفتن التي لا ترفع‏.‏

فإذا أنعم الله تعالى بالسلامة منها وجب التحدث بنعمته والشكر لمشيئته وأن يكتب أمير المؤمنين بسلامة ما قبله إلى عماله لتسكن الكافة إلى ذلك ويشتركوا في حمد الله تعالى عنه‏.‏

واعلم أن المراسم التي تكاد يعتاد الخلفاء الركوب فيها والكتابة بالسلامة منها هي‏:‏ عيد الفطر وعيد النحر‏.‏

وكان الخلفاء الفاطميون بالديار المصرية يعتادون مع ذلك الركوب في غوة السنة وفي أول رمضان وفي الجمعة الأولى والجمعة الثانية والجمعة الثالثة منه على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية‏.‏

وكذلك عيد الغدير‏:‏ وهو عيد من أعياد الشيعة كما سيأتي ذكره‏.‏

ونحن نشير إلى ذكر مواكبها موكباً موكباً ونذكر ما جرت به العادة في الكتابة في البشارة بالسلامة في الركوب كل مركوب منها‏.‏

الأول‏:‏ البشارة بالسلامة في الركوب في غرة السنة‏.‏

وقد تقدم الكلام على صورة الموكب في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية‏.‏

وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك أورده أبو الفضل الصوري في تذكرته وهي‏:‏ الحمد لله الذي لم يزل يولي إحساناً وإنعاماً وإذا أبلى عبيده عاماً أجد لهم بفضله عاماً فقد أمدكم معاشر الخلفاء كرماً ومناً وآتاكم من جوده أكثر مما يتمنى ومنحكم من عطائه ما يوفي على ما أردتموه ‏"‏ سخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه ‏"‏ وقد استقبلتم هذه السنة السعيدة وإذا عملتم بالطاعة كنتم مستنجزين من ثواب الله الأغراض البعيدة‏.‏

وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي غدت الجنة مدخرة لمن عمل بهداه لما سمعه ومهيأة لمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه وبين بإرشاده ما تجري أمور السنين عليه في العدد والحساب ونسخ ما كانت الجاهلية تفعله فيه زيادة في الكفر وضلالاً عن الصواب وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي كمل الله الإسلام بإمامته وضاعف الأجر لأهل ولايته ومنح شيعته مقبول شفاعته وعلى الأئمة من ذريتهما خلفاء الله على خلقه والقائمين بواجب حقه والعاملين في سياسة الكافة بما يرضيه سبحانه ويضمن غفرانه ورضوانه وسلم عليهم أجمعين سلاماً باقياً على يوم الدين‏.‏

وإن الحق بنشر الذكر وأوجبها للوصف وإعمال الفكر نعمة رفعت الشك وأزالت اللبس ووضح ضياؤها لأولي الألباب وضوح الشمس واشترك الناس فتضاعفت الفائدة لديهم وانتفعوا بذلك في تواريخهم ومعاملاتهم وما لهم وعليهم وتلك هي المعرفة باليوم الذي هو مطلع السنة وأولها ومبدؤها ومستقبلها وحقيقة ذلك ظهور إمام كل زمان‏.‏

وكان ظهور إمام زماننا مولانا وسيدنا الإمام فلان ليتساوى في الشرف برؤيته العامة والخاصة فيكون استقلال ركابه إشعاراً بأن اليوم الذي تجلى فيه لأوليائه ولرعاياه المتفيئين ظل لوائه هو افتتاح السنة وأول محرمها وعليه المعتمد في عدد تام الشهور وناقصها من مفتتحها إلى مختتمها يوم كذا غرة المحرم في سنة كذا في عساكر لا يحصر عددها وقبائل لا ينقطع مددها وإذا اضطرمت نار الكفر والتهبت طفئت بأنوارهم وخبت وقد تقلدت هندية تروع إذا أشرقت وسكنت فما أظن إذا اصطحبت والأرض بمرورها عليها مبهجة مونقة وملائكة الله عز وجل حافة به محدقة فآذن بأن اليوم المذكور هو غرة السنة المعينة وأن اليوم الفلاني أمسه انسلاخ كذا سنة كذا المتقدمة لتسقيهم أمورهم على أعدل نهوجهم وليحفظ نظام دينهم في صومهم وفطرهم وحجهم وكذلك أصدر هذا الكتاب ليتلوه الأمير على من يسكن عمله وجميع من قبله ويتماثلوا في معرفته ويحمل كل منهم الأمر عليه في معتقده وأسباب معاملاته ويشكروا الله على النعمة عليهم بهدايته‏.‏

الثاني‏:‏ البشارة بالسلامة في الركوب في أول شهر رمضان وهو أعلى نحو تقدم في الركوب في غرة السنة‏.‏

وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهو‏:‏ الحمد لله كالئ خلقه في اليقظة والمنام والكفل لهم بمضاعفة الأجر في شهر الصيام وصلى الله على سيدنا محمد الذي بعثه رحمة الأنام وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين على بن أبي طالب أخلص ولي وأشرف وصي وأفضل إمام وعلى الأئمة من ذريتهما الداعين إلى دار السلام صلاة دائمة الاتصال مستمرة في الغدو والآصال‏.‏

وإن من المسرة التي تتهادى والنعمة الشاملة للخلق جميعاً وفرادى ما من الله به ظهور مولانا وسيدنا الإمام فلان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم كذا غرة شهر رمضان من سنة كذا إعلاماً بأول الشهر وافتتاحه وأن الصيام المعزية القاهرة المحروسة في عساكره المظفرة وجنوده وأوليائه وأنصاره وعبيده والمنة برؤيته قد تساوى فيها الكافة وملائكة الله مطيفة حافة وعوده إلى قصوره الزاهرة وقد شمل المستظلين بأفيائه بسعادتي الدنيا والآخرة‏.‏

أصدر إليك هذا المر على الجملة وتشكر النعمة السابغة على أهل الملة وتتلوها على أهل عملك وتطالع بكائنك في ذلك فاعلم هذا واعمل له إن شاء الله تعالى‏.‏

الثالث‏:‏ الكتابة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الأولى من شهر رمضان‏.‏

وهذه نسخة كتاب من ذلك من إنشاء ابن الصيرفي أيضاً وهي‏:‏ أفضل ما سير ذكره ووجب حمد الله تعالى عليه وشكره ما عاد على الشريعة بالجمال والبهجة وأضحى واصفه صحيح المقال صادق اللهجة فضاعف حسنه ومحص سيئه وجعل أسباب السعادة متسهلة متهيئة وذلك ما يسره الله تعالى من استقلال ركاب سيدنا ومولانا صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا مؤدياً خطبتها وصلاتها وضامناً لأمة ائتمت به خلاصها يوم الفزع الأكبر ونجاتها في وقار النبوة وسكينة الرسالة والهيبة المستولية على العظمة والجلالة والعساكر الجمة التي تقلق بمهابتها وتزعج وتظن لكثرتها واقفة والركاب يهملج ولما انتهى إليه خطب ووعظ ففتح أبواب التوبة وآب إلى الطاعات من لم يطمع منه بالأوبة وصلى صلاة تقبلها جل معز بقبول حسن وقصر في وصفها ذوو الفصاحة واللسن وعاد إلى مستقر الخلافة ومثوى الرحمة والرأفة وعين الله له ملاحظة وملائكته له حافظة‏.‏

أعلمت ذلك لتذيعه في أهل عملك وتطالع بكائنك‏.‏

الرابع‏:‏ المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الثانية من شهر رمضان‏.‏

قد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة بالديار المصرية في الدولة الفاطمية في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثانية من شهر رمضان على الجامع الأنوار وهو جامع باب البحر الذي عمره الحاكم بأمر الله وجدده الصاحب شمس الدين المقسي‏.‏

وهذه نسخة كتاب في المعنى من إنشاء ابن الصيرفي أيضاً وهي‏:‏ لم يزل غامر كرم فضل وفضله يفوق حاضره ما كان من قبله فنعمة الله تعالى سابغة ومننه متتابعة وملابسها ضافية ومغاربها نامية وسحائبها هامية وهو جل وعز يضاعفها على من صلى وصام ويواليها عند تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصال لها ولا انفصام وتجدد من ذلك ما كان من بروز مولانا وسيدنا الإمام فلان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا في مشايخ عزه وباذخ مجده وتوجهه إلى الجامع الأنوار المنسوب إلى مولانا الإمام الحاكم بأمر الله جده سلام الله عليه وصلواته وبركاته وتحياته وعساكره قد تجاوزت الحد وكثرت عن الإحصاء والعد فإذا تأملها الطرف انقلب عنها خاسئاً وارتد‏.‏

ولما وصل إلى الجامع المذكور خطب فأورد من القول أحسنه ووعظ فأسمع من الوعظ أوضحه وأبينه وصلى صلاة جهر بالقراءة فيها ورتلها وعاد إلى قصوره الشريفة وقد شملت البركات برؤيته ووفق من عمل بموعظته ونجا من اقتدى به في صلاته واستولى على السعد من جميع أرجائه وجهاته‏.‏

أعلمناك ذلك لتعرف قدر النعمة به فاشكر الله سبحانه بمقتضاه واعتمد تلاوة هذا الأمر على رؤوس الأشهاد فاعلم ذلك‏.‏

الخامس‏:‏ المكاتبة السلامة في الركوب في الجمعة الثالثة من شهر رمضان‏.‏

قد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثالثة منه إلى الجامع العتيق بمصر فيخطب فيه ويعود إلى قصره‏.‏

وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهي‏:‏ من عوائد الله - سبحانه - الإحسان إلى عبيده وتعويضهم للشكر عليه بنموه ومزيده والامتنان بتيسير عصيه وتعجيل بعيده فهو لا يخلبهم من نواجمه ولا يعفيهم من هواجمه‏.‏

ولما أقبل هذا الشهر الشريف كان من عموم بركاته وشمول خيراته أن مولانا الإمام الفلاني صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين والى فيه بركته وزكى أعمال المؤمنين في استماع اختطابه والائتمام بصلاته وفي هذا اليوم وهو يوم الجمعة من شهر رمضان اعمل ركابه إلى الجامع العتيق بمصر ليسهم لهذه المدينة من حظي والدنيا والآخرة مثل ما أسهمه وعجله لأهل المعزية القاهرة‏.‏

فكانت هيبته يعجز وصفها كل لسان وظهر - عليه السلام - في الردائين‏:‏ السيف والطيلسان والجيوش قد انبسطت وانتشرت والنفوس قد ابتهجت واستبشرت والألسنة قد عكفت على الدعاء بتخليد ملكه وتوفرت‏.‏

وعند وصوله خطب فأحسن في الألفاظ والمعاني وحذر من تأخير التوبة والتضجيع فيها والتواني وصلى صلاة شرفها الله وفضلها ورضيها تبارك وتعالى وتقبلها وانكفأ عائداً إلى قصوره ومنازله المعظمة ضاعف الله له ثوابه وأجره وأوجب شكره ورفع ذكره ويجب أن تعتمد إذاعة ذلك ليبالغ الكافة في الاعتراف بالنعمة فيه ويواصلوا شكر الله تعالى عليه والمطالعة بما اعتمد فيه‏.‏

السادس‏:‏ ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد الفطر‏.‏

وقد تقدم الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد الفطر صبيحة العيد ويخرج من باب العيد من أبواب القصر ويتوجه إلى المصلى فيصلي ويخطب ثم يعود إلى قصوره ويكتب بذلك إلى أعمال المملكة تارة مع خلو الدولة عن وزير وتارة مع اشتمالها على وزير‏.‏

وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك مع خلو الدولة عن وزير من إنشاء ابن الصيرفي وهو‏:‏ الحمد لله ناشر لوائه في الأقطار ومعوض المطيعين من جزائه ببلوغ الأوطار الذي نسخ الإفطار بالصيام ونسخ الصيام بالإفطار وكلف عباده ما يطيقونه ووعد عليه جزيل أجره وأسبغ من نعمته ما لا يطمع في القيام بواجب حمده عليه وشكره وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي أعلن بالإيمان وباح وبين المحظور في الشريعة والمباح وأرشد إلى ما حرمه الإسلام وحلله ومهد سبل الهدى لمن استغواه الشيطان وضلله وأوضح مراتب الأوقات ومنازلها وعرف تفاوت الأيام وتفاضلها وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي مضت في الله عزماته وبيضت وجه الدين الحنيف مواقفه ومقاماته وعلى الأئمة من ذريتهما الذين تكفلوا أمر الأمة نصاً وامتطوا على منارها فلم يألوا جهداً ولم يتركوا حرصاً فالحاضر منهم يوفي على من كان من قبله وأحزاب الحق فرحون بما آتاهم الله من فضله وسلم عليهم أجمعين سلاماً لا انقطاع لدوامه وشرفهم تشريفاً لا انفصال لإبرامه وأسنى ومجد وتابع وجدد‏.‏

وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة كذا‏:‏ بعد أن وفى الصيام حقه وحاز أجر من جعل الله على خزائنه رزقه وبعد أن أفطر بحضرته الأولياء من آله وأسرته والمقدمون من رؤساء دولته والمتميزون من أوليائه وشيعته‏.‏

وكان من نبأ هذا اليوم أن أمير المؤمنين لما ارتقب بروزه من قصوره وتجلى فأشرقت الأرض بنوره توجه إلى المصلى قاضياً لسنة العيد فكانت نعمة ظهوره بالنظر للحاضر وبالخبر للبعيد واستقل ركابه بالعساكر المنصورة التي أبدت منظراً مفتناً معجباً وجعلت أديم الأرض بالخيل والرجال محتجباً وذخرت الانتقام ممن شق العصا وتجاوزت في الكثرة عدد الرمل والحصا وزينت الفضاء بهيئتها وروعت الأعداء بهيبتها وجمعت بين الطاعة وشدة الباس وادرعت من التقوى أمنع جنة و أحصن لباس ولم يزل سائراً في السكينة والوقار ناظراً للدنيا بعين الاحتقار والثرى بالجباه والشفاه مصافح ملثوم فهما موسومتان به وهو بهما موسوم إلى أن وصل إلى مقر الصلاة ومحل المناجاة فصلى أتم صلاة وأكملها وأدها أحس تأدية وأفضلها وأخلص في التكبير والتهليل إخلاص من لم يفت أمراً ويخشى الله ويتقيه ونصح في إرشاده ووعظه وأعرب ببديع معناه وفصيح لفظه وعاد إلى مثوى كرامته وفلك إمامته محمود المقام مشمولاً بالتوفيق في النقض والإبرام‏.‏

أعلمك أمير المؤمنين ذلك لتذيعه فيمن قبلك وتشكروا الله على النعمة الشاملة لهم ولك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

وكتب في اليوم المذكور‏.‏

وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك والدولة مشتملة على وزير عن الحافظ لدين الله الذي العلوي خليفة الديار المصرية في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وهي‏:‏ الحمد الله الذي أعز الإسلام وشيد مناره وأيد أولياءه ونصر أنصاره وأظهر في مواسمه قوته واستظهاره وختم الشرائع بشرف أبدي فكان حظها منه إيثاره وخط الإسلام استبداده به واستئثاره وصلى الله على جدنا محمد الذي كرمه باصطفائه وأسعد من حافظ على اتباع نهجه واقتفائه وبين بشرعه ما حلله وحرمه ودعا الأمة بإرساله إلى دين قيم أعلى بناءه وأحكمه ووعدهم على مفروضة ومسنونه جزيل الأجر وأمر في اعتقاد خلافه بالدفع والمنع والزجر وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أول الأئمة الخلفاء والمشتهرة فضاءله اشتهاراً ليس به من خفاء ومن حباه الله المحل الرفيع والمن الجزيل وخصه من الشرف بما جاء فيه من محكم التنزيل وعلى الأئمة من ذريتهما القائمين بفرض الله والمؤدين لحقوقه والذين كفلت أمانتهم بانبساط نور الحق وانتشار لوائه وخفوقه وسلم وكرم ومجد وعظم‏.‏

وكتاب أمير المؤمنين إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة الذي أمر الله فيه بما نهى عنه من قبله وضاعف الأجر بكرمه وفضله فرفع تكاليف الصوم وأوجب الإفطار في هذا اليوم وساوى في ذلك بين كل متهم ومنجد وأمر بني آدم فيه بأخذ الزينة عند كل مسجد وكان من خبره أن الفجر لما طلع مبشراً بالشمس ومؤذناً ببعثها من الرمس تتابعت الجيوش الموفورة والعساكر المنصورة إلى أبواب القصور الزاهرة توكفاً لأنوار أمير المؤمنين وترقباً لظهوره قاضياً حق الدين فلما أسفر الصبح وأضاء وملأت الخلائق الفضاء تجلى من أفلاك إمامته وبرز فأغبط كل مؤمن بثباته على المشايعة وإقامته وكان ظاهراً وهو محتجب بالأنوار وممتنعاً وهو منتهب بالأبصار والكافة يصافحون الأرض ويجتهدون في الدعاء بإخلاص نياتهم والعساكر المؤيدة لو أنها عمت الأرض بتطبيقها وساوت بين قربيها وسحيقها وصارت كالجبال الرواسي فيها لكانت قد تزلزلت ومادت بأهليها وهي مع تباين أجناسها وطوائفها متظافرة على معاندي الدولة ومخالفيها متلائمة على الولاء متمالئة على الأعداء تتلفت إلى المجاهدة كأنها الأسود إقداماً وباساً وكأنها فصلت جوامد الغدران سلاحاً لها ولباساً والسيد الأجل الأفضل التي عظمت به المواهب وجلت وذهبت بوزارته الغياهب وتجلت وتهلل بنظره وجه الملة وكان عابساً وأعاد الدولة معصراً وقد كانت قبله عانساً وحسنت الدنيا بأيامه إذ ليس فيها من يضارهيه وانتظمت أمورها على الإرادة بصدورها عن أوامره ونواهيه ترتب المواكب بمهابته ويستغنى بتوغلها في القلوب عن إيمائه وإشارته وكل طائفة مقبلة على شانها لازمة لمكانها متصرفة على تهذيبه وتقريره عاملة بآدابه فوقوفها بوقوفه ومسيرها بمسيره‏.‏

وتوجه أمير المؤمنين إلى المصلى محفوفاً بأنوار تجلى ما أنشأته سنابك الخيل وتمحو آية نقع قام مثارها مقام ظلال الليل وعليه من وقار الإمامة وسكينة الخلافة ما خصه الله تعالى دون البرية وحده لأنه مما ورث أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وجده ولما انتهى إليه قصد المحراب وأمه وأدى الصلاة أكمل أداء وأتمه ثم انتهى إلى المنبر فعلاه ومجد الله تعالى وحمده على ما أولاه ووعظ وعظاً خوف عاقبة المعاصي والذنوب وحل وكاء العيون وداوى مرض القلوب وأمر بسلوك سبيل الطاعات وأفعال البر وحث على التوفر عليها في الجهر والسر وعاد إلى قصوره المكرمة ومواطنه المقدسة وقد بذل في نصحه لله وللمؤمنين جهده وفعل في الإرشاد والهداية ما لا غاية بعده‏.‏

أنابك أمير المؤمنين خبر هذا اليوم لتشكر الله على النعمة السابع‏:‏ ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النحر‏.‏

قد تقدم في الكلام على ترتيب دولة الفاطميين في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد النحر كما يركب لصلاة عيد الفطر تارة مع اشتمال الدولة على وزير وتارة مع عدم اشتمالها على وزير‏.‏

وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهي‏:‏ أما بعد فالحمد لله الذي أعلى منار الملة وشرف مواسم أهل القبلة وكفل أمير المؤمنين أمر الأيام كما كلفه أمر الأنام فرأى الناس من حسن سيرته أيقاظاً ما لا يرونه مجازاً في المنام وصلى الله على جدنا محمد ونيه الذي أرسله إلى الناس كافة وجعل العصمة محيطة به حافة فأطلع في ظلام الشرك شمس التوحيد ببدره وآمن به من شرح الله للإسلام صدره وعصاه من تمرد فأثقل الوزر ظهره وبين عبادات كرم أجرها وعظم ثوابها وألزم طاعات جعل الجنة للعاملين بها مفتحة أبوابها وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مظافره ومظاهره والمساوي في حكمه بين باطنه وظاهره ولم يزل حاملاً على المحجة البيضاء جاعلاً ذلك من قربه وذخائره قائماً بحقوق الله جاهداً في تعظيم حرماته وشعائره وعلى الأئمة من ذريتهما نجوم الأرض وهداة أهلها والواجبة طاعتهم على م في وعرها وسهلها والذابين وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد النحر سنة كذا وكذا وهو يوم أظهر الله قوة الدولة واقتدارها وأوجب فيه - رغبة ورهبة - مسارعة النفوس المخالفة إلى الطاعة وابتدارها وذلك أن عساكر أمير المؤمنين توجهت إلى قصوره الزاهرة عند انفجار الفجر وحافظت على ما تحرزه من كريم الثواب وجزيل الأجر واستنزلت الرحمة برؤية إمام الأمة وأعدت الإخلاص في خدمته من أوفى الحرمات وأقوى الأذمة وأقامت إلى أن برز أمير المؤمنين والأنوار الساطعة طوالعه ومهابته تمنع كل طرف من استقصاء تأمله وتدافعه وقصد المصلى في كتائب لجبة ومواكب للتعظيم مستوجبة وعزة تتبين في الشمائل والصفحات وقوة يشهد بطيب وصفها أرج النفحات قد غدت عددها محكمة وخيولها مطهمة وذوابها إذا ظمئت كانت مقومة وإذا رويت عادت محطمة تتقلد صفائح متى انتضيت أنصفت من الجائر الحائف ومتى اقتضبت عملاً كان اقتضابها مبيضاً للصحائف وفي ظلها معاقل للائذين وبحدها مصارع للمنابذين وهي للدماء هوارق وللهامات فوالق ولمستغلق البلاد مفاتيح ولمستفتحها مغالق‏.‏

ولما انتهى إلى المصلى قضى الصلاة أحسن قضاءه وأداها أفضل تأدية واستنزل رحمة لم تزل بصلاته متمادية وانتهى إلى المنبر فرقبه وخطب خطبة من استخلفه الله فكان مراقبه ومتقيه ووعظ أبلغ وعظ وأبان عما للعامل بنصحه في الدنيا والآخرة من فائدة وحظ وعطف على الأضاحي المعدة له فنحرها جرياً في الطاعات على فعلها المتهادي وأضحت تتوقع التكميل بإنجازه وعيده في الأعادي فالله يقضي بتصديقه ويمن بتخيله وتحقيقه وعاد إلى قصوره المكرمة مشكوراً سعيه مضموناً نفعه مرضياً فعله مشمولاً عبيده منه هو وأهله وأعلمك أمير المؤمنين ذلك فاعلم هذا واعمل به‏.‏

وكتب في اليوم المذكور‏.‏

وهذه نسخة كتاب في هذا المعنى والدولة مشتملة على وزير من إنشاء ابن قادوس وهي‏:‏ أما بعد فالحمد لله ماحي دنس الآثام بالحج إلى بيته الحرام وموجب الفوز في المعاد لمن عمل بمراشده أئمة الهدى الكرام ومضاعف الثواب لمن اجتهد فيما أمر الله به من التلبية والإحرام ومخول الغفران لمن كان بفرائض الحج ونوافله شديد الولوع والغرام وصلى الله على جدنا محمد الذي لبى وأحرم وبين ما أحل الله وحرم وعلى أخيه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ضرب وكبر وحقر من طغى وتجبر وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام الدين وحتوف المعتدين وسلم وكرم وشرف وعظم‏.‏

وإن من الأيام كملت محاسنها وتمت وكثرت فضائلها وجمت ووجب تخليد عز صفاتها وتعيين تسطير تأثيراتها يوم عيد النحر من سنة كذا وكان من قصصه أن الفجر لما سل حسامه وأبدى الصباح ابتسامه ونهض عبيد الدولة في جموع الأولياء والأنصار وأولي العزيمة والاستبصار ميممين القصور الزاهرة متبركين بأفنيتها ومستلمين بسعادتها وتألفوا صفوفاً نبهر النواظر ويخجل تأليفها تألف زهر الروض الناضر مستصحين فنوناً من الأزياء تروق ومستتبعين أصنافاً من الأسلحة يغض لمعها من لمع اللهب والبروق والعلام خافقة والرايات بألسنة النصر على الإخلاص لإمام العصر متوافقة فأقاموا على التشوف لظهوره وتطلع للتبرك بلامع نوره‏.‏

ولما بزغت شمس سعادته وجرت الأمور على إيثاره وإرادته وبدت أنوار الإمامة الجلية وظهرت طلعتها المعظمة البهية خر الأنام سجوداً بالدعاء والتمجيد والاعتراف بأنهم العبيد بنو العبيد واستقل ركاب أمير المؤمنين ووزيره السيد الأجل الذي قام بنصر الله في إنجاد أوليائه وتكفل للإسلام برفع مناره ونشر لوائه وناضل عن حوزة الدين وجاهد وناضل أحزاب الكفار وناهد يقوم بأحكام الوزارة وتدبير الدولة أولي الإخلاص والطهارة ويتبع آراء أمير المؤمنين فيما تنفذ من أوامره ويعمل بأحكام الصواب فيما تقتضيه موارده ومصادره ويحسن السياسة والتدبير ويتوخى الإصابة في كل صغير من أمور الدولة العلوية وكبير ويخلص لله جل وعز ولإمامه ويكفكف من الأعداء ببذل الجهد في إعمال لهذمه وحسامه وسار أمير المؤمنين والعساكر متتابعة في أثره متوافقة على امتثال أمره قد رفعت السنابك من العجاج سحاباً وخيلت جنن الجند للناظرين في البر عباباً‏.‏

والجياد المسومة تموج في أعنتها وتختال في مراكبها وأجلتها وتسرع فتكسب الرياح نشاطاً وتفيد المعترض لوصفها إفراطاً وتهدي لمن يحاول مماثلتها غلواً واشتطاطاً وأصوات مرتفعة بالتهليل وأصوات الحديد تسمع بشائر النصر بترجمة الصليل ويكاد يرعب الأرض تزلزل الصهيل وترض سنابكها الهضاب وتغدو صلابها كالكثيب المهيل‏.‏

أعلمك أمير المؤمنين نبأ هذا اليوم الذي تشتمل المسار على جميعه أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً لتذيع نبأه في عمل ولايتك وتشيع خبره في الرعايا على جاري عادتك فاعلم هذا واعمل به وطالع مجلس النظر السيدي الأجلي بما اعتمدته في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

وكتب في اليوم المذكور‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات قد فرض وترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا‏.‏

الصنف السادس عشر المكاتبة بالبشارة بوفاء النيل والبشارة في الركوب لفتح الخليج وهذه لمكاتبة من خصائص الديار المصرية لا يشاركها فيها غيرها من الممالك‏.‏

ولم يزل القائمون بالأمر بالديار المصرية من قديم الزمان وهلم جراً يكتبون بالبشارة بذلك إلى ولاة الأعمال اهتماماً بشأن النيل وإظهاراً للسرور بوفائه الذي يترتب عليه الخصب المؤدي إلى العمارة وقوام المملكة وانتظام أمر الرعية‏.‏

وقد كان الخلفاء الفاطميين القائمين بأمر الديار المصرية بذلك كبير العناية ووافر الاهتمام وكانت عادتهم في ذلك أنهم يكتبون بالبشارة بوفاء النيل كتباً مفردة وبفتح الخليج وهو المعبر عنه في زماننا بالكسر كتباً مفردة ولعل فتح الخليج كان يتراخى في زمنهم عن يوم الوفاء فيفردون كل واحد منهما بكتب‏.‏

فأما وفاء النيل المبارك فهذه نسخة كتاب بالبشارة به في الأيام الفاطمية من إنشاء ابن قادوس وهي‏:‏ النعم إن كانت شاملة للأمم فإنها متفاضلة الأقدار والقيم فأولاها بشكر تنشر في الآفاق أعلامه واعتداد تحكم بإدراك الغايات أحكامه نعمة يشترك في النفع بها العباد وتبدو بركتها على الناطق والصامت الجماد وتلك النعمة النيل المصري الذي تبرز به الأرض الجرز في أحسن الملابس وتظهر حلل الرياض على القيعان والبسابس وترى الكنوز ظاهرة للعيان متبرجة بالجواهر واللجين والعقيان فسبحان من جعله سبباً لإنشار الموات وتعالى من ضاعف به ضروب البركات ووفر به مواد الأرزاق والأقوات وهذا الأمر صادر على الأمير وقد من الله جل وعلا بوفاء النيل المبارك وخلع على القاضي فلان بن أبي الرداد في يوم كذا وكذا وطاف بالخلع والتشريفات والمواهب المضاعفات بالقاهرة المحروسة ومصر على جاري عادته وقدم سيرته ونودي على الماء بوفائه ستة عشر ذراعاً وإصبعاً من سبعة عشر ذراعاً واستبشر بالنعمة بذلك الخلائق وواصلوا بالشكر مواصلة لا تستوقفهم عنها العوائق وبدا من مسرات الأمم وابتهاجهم ما يضمن لهم من الله المزيد وينيلهم المنال السعيد ويقضي لهم بالمآل الحميد‏.‏

وموصل هذا الأمر إليك فلان فاعتمد عند وصوله إليك إكرامه وإعزازه وإجمال تلقيه وإفضاله إلى ما جرت به عادة مثله من رجاء وتنويه واحتفاء وإكرام واعتناء ليعود شاكراً‏.‏

فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة أخرى من ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهي‏:‏ أولى ما تحدث به ناقله وراويه وتعجل المسرة حاضره ورائيه ما كانت الفائدة به شائعة لا تتحيز والنعمة به ذائعة لا يتخصص أحد بشمولها ولا يتميز إذ كان علة لتكاثر الأقوات وبها يكون التماثل في الباء والتساوي في الحيات وذلك ما من الله تعالى به بعد وفاء النيل المبارك فإنه انتهى في يوم كذا من سنة كذا إلى ستة عشر ذراعاً وزاد إصبعاً من سبعة عشر ذراعاً وقد سيرنا أيها الأمير فلاناً بهذه البشرى إليك وخصصناه بالورود بها عليك فتلقها من الشكر بمستوجبها واستقبلها من الابتهاج و الاغتباط بما يليق بها واجعل الرسوم التي جرت العادة بتوظيفها لفلان بن أبي الرداد محمولة من جهتك إلى حضرتنا لتولى إليه من جهتنا فاعلم وهذا الصنف من المكاتبات متداول بالديار المصرية إلى آخر وقت يكتب به في كل سنة عن الأبواب السلطانية إلى نواب السلطنة بالممالك الشامية عند وفاء النيل وتسير به البريدية وربما جبي للبريدي من الممالك شيء بسبب ذلك‏.‏

وإذا كانت الدولة عادلة ضمن الكتاب أنه لا يجبى للبريدي شيء بسبب ذلك‏.‏

وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك‏:‏ ولا زال عنه وإليه حديث الوفاء والندا ويورد على سمعه الكريم نبأ الخصب الذي صفا موارده ويهنئ بكل نعمة تكلفت للرعايا بمضاعفة الجود ومرادفة الجدا ويخص بكل منة عمت مواهبها الأنام فلن تنسى أحداً‏.‏

صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي وبحر كرمها لا ينتهي إلى مدى وبشر بشراها دائم أبداً تهدي إليه سلاماً مؤكداً وثناء أضحى به الشكر مردداً وتوضح لعلمه الكريم أن الله تعالى قد جرى على جميل عادته وأراد بالأمة من الخير ما هو مألوف من إرادته ومنح مزيد النعم التي لم تزل تعهد من زياداته فأسدى معروفه المعروف إلى خلقه وأيدهم بما يكون سبباً لمادة عطائه ورزقه فبلغهم تأملهم وأجرى نيلهم وزادهم بسطة في الأرض وملأ به الملا وكبق به البلاد طولها والعرض ونشر من الخافقين لواء خصبه وأتى بعسكر ريه لقتل المحل وجديه وبينما هو في القاع إذ بلغ بإذن ربه فجعل من الذهب لباسه وعطر بالشذا أنفاسه ولم يترك خلال قطر إلا جاءه فجاسه ونص السير فسير نص مجيئه في الأرض لما صحح بالوفاء قياسه وغازلته الشمس فكسته حمره أصيلها لما غدت له بمشاهدة ماسه ولم يكن في هذا العم إلا بمقدار ما قيل‏:‏ أقبل إذ قيل‏:‏ وفى ومد في الزيادة باعاً وبسط ذراعاً وأطلق بمواهب أصابعه كفاً وعاجل إدراك الهرم في ابتداء أمره مطال شبابه ومر على الأرض فحلا في الأفواه لما ساغ شكر سائغ شرابه واعتمد على نص الكتاب العزيز فكاد أن يدخل كل بيت من بابه‏.‏

ولما كان يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا من شهور القبط بادرت إلى الوفاء شيمه وأغنت أمواجه عن منة السحب فذمت عندها ديمه وزار البلاد منه أجل ضيف فرشت له صفحة خدها للقرى فعمها كرمه وبلغ من الأذرع ستة عشر ذراعاً ورفع لواءه بالمزيد ونشر وجاء للبشر بأنواع البشر فرسمنا بتعليق ستر مقاسه وتخليقه وتضويع أنفاسه وفي صبيحة اليوم المذكور كسر سد خليجه على العادة وبلغ الأنام أقصى الإرادة وتباشر بذلك العام والخاص وأعلنت الألسنة بحمد ربها بالإخلاص وسطرها وهو بفضل الله ورحمته متتابع المزيد بسيط بحره المديد متجدد النمو في كل يوم من أيام الزيادة جديد‏.‏

فالجناب العالي يأخذ م هذه البشرى بأوفر نصيب ويشكر الله على ما منح - إن شاء الله - هذا العام الخصيب ويذيع لها خبراً وذكراً ويضوع بطي هنائها نشراً ويتقدم بأن لا يجبى عن ذلك بشارة بالجملة الكافية لتغدو المنة تامة والمسرة وافية وقد جهزنا بهذه المكاتبة فلاناً وكتبنا على يده أمثلة شريفة إلى نواب القلاع الفلانية جرياً على العادة فيتقدم بتجهيزه بذلك على عادة همته فيحيط علمه بذلك‏.‏

وهذه نسخة أخرى في معنى ذلك كتب بها في سابع عشر ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة وصورتها بعد الصدر‏:‏ وبشره بأخصب عام أخص مسرة هناؤها للوجود عام وأكمل نعمة تقابل العام من عيون الأرض بمزيد الإنعام‏.‏

صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه أتم سلام وأعم ثناء تام وتوضح لعلمه الكريم أن الله تعالى - وله الحمد - قد جرى في أمر النيل المبارك على عوائد ألطافه ومنح عباده وبلاده من مديد نعمه مزيد إسعافه وأورد الآمال من جنوده منهلاً عذباً وملأها به إقبالاً وخصباً وأحيا به من موات الأرض فاهتزت وربت وأنبتت كل بهيج وأنجبت وأينعت الرياض فجرت فيها الروح ودبت وامتلأت الحياض ففاضت بالمياه وانصبت وطله كالبدر في ازدياده وتوالى على مديد الأرض بامتداده إلى أن بلغ حده ووصل الفرج ومنع الشدة وفي يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا وكذا من شهور القبط وفاه الله ستة عشر ذراعاً فاه فيها بالنجح وعم ثراه الأرض فأشرق بعد ليل الجدب بالرخاء أضوأ صبح وفي ذلك اليوم علق ستره وخلق مقياسه فاشتهر ذكره وكسر سده وتوالى مده ونجز من الخصب وعده وعلا الترع والجروف وقطع الطريق فأمن م الجدب المخوف وأقبل بوجهه على الأرض لباس النفع فبدلها بعد الظمأ رياً فحمدنا الله تعالى على هذه النعم ورأينا أن يكون للجناب العالي أوفر نصيب من هذا الهناء الأعم وآثرنا إعلامه بذلك ليكون في شكره هذه النعمة أكبر مشارك فالجناب العالي يأخذ حظه من هذه البشرى ويتحقق ما له عندنا من المكانة التي خصته في كل مبهجة بالذكرى ويتقدم أمره الكريم بأن لا يجبى عن ذلك حق البشارة ولا يتعرض إلى أحد بخسارة وقد جهزنا بذلك فلاناً‏.‏

الصنف السابع عشر فيما يكتب في البشارة بركوب الميدان الكبير بخط اللوق عند وفاء النيل في كل سنة وهو مما يتكرر في كل سنة عند ركوب الميدان ويكتب به إلى جميع النواب الأكابر والأصاغر وتجهز إلى أكابر النواب خيول صحبة المثال الشريف ويرسم لهم بالركوب في ميادين الممالك للعب الكرة وتأسياً بالسلطان فيركبون ويلعبون الكرة‏.‏

والعادة في مثل ذلك أن تنشأ نسخة كتاب من ديوان الإنشاء الشريف ويكتب بها إلى جميع النيابات ولا يختلف فيها سوى وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك كتب في ذي القعدة سنة ستين وسبعمائة لنائب طرابلس وصورته بعد الصدر‏:‏ ولا زال تحمل إيه أنباء ما يبرد غلته من مضاعفة السرور وتبث له أقوال الهناء بما يجب علته من النصر الموفور ونخصه من إقبالنا الشريف بأكمل تكريم وأنم حبور‏.‏

صدرت هذه المكاتبة تهدي إليه من السلام والثناء كذا وكذا وتوضح لعلمه الكريم أننا نتحقق مضاء عزائمه حرباً وسلماً واعتلاء هممه التي تحرس بها الممالك وتحمى وأن صوافنه ترتبط لتركض وتحبس لتنهض فلذلك نعلمه من أنباء استظهارنا ما يبهج خاطره ويقر ناظره وهو أننا لما كان يوم السبت المبارك خامس شوال توجه ركابنا الشريف إلى الميدان السعيد وفاض به جنودنا فاخضرت مروجه وظهر به نيرنا الأعظم فأشرقت آفاقه وتشرفت بروجه وأقر العيون منير وجهنا المبارك وبهيجه وغدا كل ولي بموالاة إنعامنا مشمولاً وبمنالات إكرامنا موصولاً وركض الأولياء بين أيدينا جياداً ألفت نزالاً وعرفت طراداً وانعطفت ليناً وانفياداً وعدنا إلى مستقر ملكنا الشريف وقد جدد الله تعالى لنا إسعاداً وأيد لعزمنا المعان مبدأ ومعاداً وآثرنا إعلام الجناب العالي بهذه الوجهة الميمونة والحركة التي هي بالبركة مقرونة ليأخذ حظه من السرور بذلك والهنا ويتحقق من إقبالنا الشريف عليه ما يبلغ به المنى‏.‏

وهذه نسخة مثال شريف في المعنى كتب به في العشرين من شعبان سنة أربع وخمسين وسبعمائة‏.‏

وصورته على الصدر‏:‏ ولا زالت الميادين سعده لا تتناهى إلى مدى وكرات كراته في رحاب النصر تلمع كنجم الهدى ومدور صوالجه كشواجر المران تحلو بتأييدها للأولياء وتغدو مريرة للعدا‏.‏

صدرت هذه المكاتبة وظفرها لا يزال مؤيداً ونصرها لا برح مؤبداً تهدي إليه سلاماً مؤكداً وثناء كنشر الأرض بالندى وتوضح لعلمه أننا لم نزل بحمد الله نتبع سنن سلفنا الشريف ونجري الأمور على عوائد جميلهم المنيف ونرى تمرين الأولياء على ممارسة الحروب ونؤثر إبقاء آثار الجهاد فيهم على أحسن أسلوب فلذلك لا نخل في كل عام بالتعاهد إلى الميدان السعيد والركوب إليه في أسعد طالع يبديء النصر ويعيده لما في ذلك من ابتهاج يتجدد وأسباب مسرة لكافة الأنام تتأكد ودعوات ألسنتها تتضاعف من الرعية وتتردد‏.‏

ولما كان في يوم السبت المبارك سادس عشر شهر رجب الفرد ركبنا إلى الميدان السعيد في أتم وقت أخذ من السعد بمجموعه وأظهر في أفق العساكر من وجهنا الشريف البدر عند طلوعه ولم نبرح يومنا المذكور في عطاء نجيده وإنعام نفيده وإطلاق نبدئه ونعيده والأولياء من أيدينا الشريفة يمرحون وفي بحار كرمنا المنيف يسبحون وفي ميدان تأييدنا المطيف يسيحون والكرات كالشمس تجنح تارة وتغيب وتخشى من وقع الصوالجة فتقابلها بوجه مصفر مريب‏.‏

ثم عدنا إلى القلعة المنصورة على أتم حال وأسعد طالع بلغ الأنام الأمان والآمال والعساكر بخدمتنا الشريفة محدقون ومماليكنا بعقود ولائنا مطوقون والرعايا قد ألبسها السرور أثواباً وفتح لها من الابتهاج أبواباً وقد آثرنا إعلام الجناب بذلك ليأخذ حظه من هذه المسرة والبشرى ويشترك هو والأنام في هذه النعمة الكبرى ومرسومنا للجناب أن يتقدم بالركوب بمن عنده من الأمراء في ميدان طرابلس المحروسة ويلعب بالكرة على جاري العادة في ذلك ليساهم أولياء دولتنا القاهرة في ذلك ويسلك طرقهم الجميلة أجمل المسالك‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لم يزل مستعملاً بديوان الإنشاء يكتب كلما ركب السلطان إلى الميدان الصالحي بخط اللوق إلى أن عطل جيده من الركوب في أواخر الدولة الظاهرية برقوق واقتصر على لعب الكرة في الميدان الذي جرت به العادة فتركت المكاتبة بذلك من ديوان الإنشاء ورفض استعمالها‏.‏

الصنف الثامن عشر المكاتبة بالبشارة بحج الخليفة لما كانت الأسفار محل الأخطار وموقع الاختلاف وحدوث الفتن كانت الخلفاء يكتبون الكتب إلى عمالهم بالسلامة عند الإياب من السفر للحج وغيره‏.‏

والرسم فيها أن يذكر أن الحج من أجل العبادات وأن النعمة أن يمن الله تعالى بقضاء المناسك والوقوف المشعر الحرام والطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة وما يجري مجرى ذلك من شعائر الحج ثم بعد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم واتفاق الكلمة في جميع هذه الأحوال على كثرة الخلائق ومزيد الجيوش والعساكر‏.‏

وهذه نسخة كتاب بالسلامة من سفر الحج وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل بيته مثابة للناس وأمناً وحرماً من دخله كان آمناً الذي اختار دين الإسلام على الأديان وابتعث به صفوته من الإنس والجان محمداً أكرم بني معد بن عدنان‏.‏

يحمده امير المؤمنين أن أعانه على تأدية حقه ونصبه لكفالة خلقه ووفقه للعمل بما يرضيه ويدني إليه ويسأله أن يصلي على خير من غار وأنجد وصدر وورد وركع وسجد ووحد ومجد وصلى وعبد وحل وأحرم وحج الحرم وأتى المستجار والملتزم والحطيم وزمزم محمد سيد ولد آدم وعلى أخيه وابن عمه مصباح الدلالة وحجاب الرسالة وإمام الأمة وباب الحكمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ممزق الكتائب ومفرق المواكب ومحطم القواضب في القلل والمناكب وعلى الأئمة من ذريتهما الهادين صلاة باقية في العالمين‏.‏

وإن أولى النعم بأن يستعذب ذكرها ويستعطر نشرها وتتحدث بها الألسنة وتعد في مواهب الله الحسنة نعم الله تعالى في التوفيق لحج بيته الذي جعله مثابة لزائريه والإطافة بحرمه الذي يوجب المغفرة لقاصديه والنزول بأفنيته التي من يخدم بها فقد انسلخ من السيئات وتلبس بالحسنات وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم النفر الأول وقد قضى بحمد الله تفثه ووفى نذره وتمم حجته وكمل طوافه وشهد منافعه وأدى مناسكه ووقف الموقف بين يدي ربه قانتاً داعياً وراغباً راجياً وعرفه بعرفات إعلامه قبل سعيه وإجابة تلبيته وبلغه في منى أمانيه من رأفته وأراه من مخايل الرحمة ودلائل المغفرة ما تلألأت أنواره وتوضحت آثاره وأجراه على تفصيل العبارة في شمول السلامة لكل من حج بحجه ووقف موقفه من أوليائه وخاصته وعامته ورعيته وأنعم باتفاق كلمتهم واجتماع أهويتهم واكتناف الدعة والسكون لهم وزوال الاختلاف والمباينة بينهم‏.‏

فإن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وهو يصدر بإذن الله تعالى عن موقفه هذا من البيت الحرام إلى زيارة قبر النبي عليه السلام‏.‏

فإن أزمع الانكفاء إلى مقره قال‏:‏ وأشعرك أمير المؤمنين ذلك وهو عائد بمشيئة الله تعالى إلى مقر خلافته في عز من قدرته وعلو من كلمته وامتداد من سلطانه وتضاعف من جنده وأعوانه لتأخذ بحظك من الابتهاج والجذل وتذيعه بين أهل العمل ليشاركك العامة في العلم بهذه النعمة فيخلصوا لله الشكر عليها وهذه نسخة كتاب بسلامة الخليفة من سفر في الجملة‏.‏

والرسم فيه أن يذكر نعمة الله تعالى بما منح أمير المؤمنين في سفره ذلك من بلوغ المآرب وتسهيل المقاصد وإدراك الأوطار وشمول النعمة في الذهاب والإياب وما يجري مجرى ذلك مما ينخرط في هذا السلك وهذه نسخته‏:‏ الحمد لله ذي الطول والإنعام والفضل والإكرام والمنن العظام والأيادي الجسام الذي أرعى أمير المؤمنين من حياطته عيناً لا تنام واستخدم لحراسته والمراماة دونه الليالي والأيام وقضى له بالتوفيق والسعادة في الظعن والمقام‏.‏

يحمده أمير المؤمنين أن استخلصه لإمامة الأنام وعدق به أساليب النقض والإبرام ويسأله الصلاة على من اختصه بشرف المقام وابتعثه بدين الإسلام وجلا به حنادس الظلام محمد خاتم الأنبياء الكرام وعلى أخيه وابن عمه الهمام الضرغام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكسر الأصنام وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام الأحكام وأدلة الحلال والحرام‏.‏

وإن أمير المؤمنين لا يزال يتحدث بنعم الله مستدراً لأخلافها منتصباً لقطافها ويفيض في ذكرها مستدعياً للزيادة بشكرها ويطلع خلصاءه على حسن آثارها لديه وسبوغ ملابسها عليه ليأخذوا بحظ من الغبطة والاستبشار ويسرحوا في مسارح المباهج والمسار وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك حين استقر ركابه بناحية كذا مبشراً لك نعمة الله في حياطته وموهبته في سلامته وما أولاه من إنارة الدليل وتسهيل السبيل وطي المجاهل وتقريب المنازل وإعذاب المناهل وإنالة الأوطار وتدميث الأوعار وبركة المتصرف وسعادة المنصرف ووصوله إلى مقصده قرير العين قليل الأين محفوظاً سارياً وآئباً مكلوءاً عائداً وذاهباً مشرد النصب مسروراً موفوراً النصيب محبوراً في اجتماع من كلمة أوليائه على طاعته ونفوذ بصائرهم في نصر رايته وإعانته على ما استحفظه من عباده واسترعاه من بلاده‏:‏ ليأخذ بالحظ الأجزل من الابتهاج والجذل ويشكر الله تعالى على هذه النعمة المتجددة ويضيفها إلى سوالف نعمه التالده ويذيعها بين رعيته وأنصار دعوته ليشتركوا في ارتشاف لعابها والتحاف أثوابها فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية قليل الوقوع فإن وقع مثله للكاتب في زماننا خرجه على نسبة الأسلوب المتقدم‏.‏

الصنف التاسع عشر الكتابة بالإنعام بالتشاريف والخلع وهذا الصنف مما أغفله صاحب مواد البيان ولا بد منه‏.‏

والرسم فيه أن يكتب عن الخليفة أو السلطان إلى من أخلص في الطاعة أو ظهرت له آثار كفاية كفتح أو كسر عدو وما يجري مجرى ذلك‏.‏

وهذه نسخة كتاب كتب به أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى صمصام الدولة بن عضد من عبد الله الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة مولى أمير المؤمنين‏.‏

سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أما بعد - أطال الله بقاءك - فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بوأك المنزلة العليا وأنالك من أثرته الغاية القصوى وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدولة وتاج الملة - رحمة الله عليه - من القدر المحل والموضع الأرفع الأجل فإنه يوجب لك عند كل أثر يكون منك في الخدمة ومقام حمد تقومه في حماية البيضة وإنعام يظاهره وإكراماً يتابعه ويواتره‏.‏

والله يزيدك من توفيقه وتسديده ويمدك بمعونته وتأييده ويخير لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمر عليه من مزيدك وتمكينك والإبقاء بك وتعظيمك وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب‏.‏

وقد عرفت - أدام الله عزك - ما كان من أمر كردويه كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك وجاحد صنيعته وصنيعتك في الوثبة التي وثبها والكبيرة التي ارتكبها وتقديره أن ينتهز الفرصة التي لم يمكنه الله منها بل كان من وراء ذلك دفعه ورده عنها ومعالجتك إياه الحرب التي أصلاه الله نارها وقنعه عارها وشنارها حتى انهزم والأوغاد الذين شركوه في إثارة الفتنة على أقبح أحوال الذلة والقلة بعد القتل الذريع والإثخان الوجيع‏.‏

فالحمد لله على هذه النعمة التي جل موقعها وبان على الخاصة والعامة أثرها ولزم أمير المؤمنين خصوصاً والمسلمين عموماً نشرها والحديث بها وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته‏.‏

وقد رأى أمير المؤمنين أن يجازيك عن هذا الفتح العظيم والمقام المجيد الكريم بخلع تامة ودابتين بمركبين من ذهب مراكبه وسيف وطوق وسوار مرصع فتلق ذلك بشكر الله تعالى عليه والاعتداد بنعمته فيه وألبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته وسر من بابه على حملاته وأظهر ما حباك به أهل حضرته ليعز الله بذلك وليه ووليك ويذل عدوه وعدوك إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمته وبركاته‏.‏

وكتب فلان لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلثمائة أطال الله بقاءك وأدام عزك وأجزل حفظك وحياطتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية باق على الاستعمال متى أنعم السلطان على نائب سلطنةٍ أو أميرٍ أو وزيرٍ أو غيره بخلعة بعث بها إليه وكتب قرينها مثال شريف بذكر ذلك إلا أنه أهمل في ذلك السجع والازدواج واقتصر فيه على الكلام المحلول كما في غيره من المكاتبات إلا في النادر المعتنى بشأنه‏.‏

الصنف العشرون المكاتبة بالتنويه والتلقيب قال في مواد البيان‏:‏ جرت عادة الخلفاء بالكتابة بالتلقيب لأن اللقب موهبة من مواهب الإمام أمضاها وأجازها فإذا جرت عليه كانت كغيره من نعمة التي يمنحها على عبيده والكنية تكرمة يستعملها الناس فيما بينهم فليس حكمها كحكم اللقب‏.‏

قال‏:‏ والرسم في هذه الكتب أن تفتتح بحمد الله على نعمه السابغة الضافية ومواهبه الزاهية النامية وعوارفه التي جعلها جزاء للمحسنين وزيادة للشاكرين ونحو هذا مما يليق أن يفتتح به هذا الغرض والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم يقال‏:‏ وإن أمير المؤمنين بما خوله الله تعالى من نعمه وبوأه من قسمه وخصه به من التمكين في أرضه والمعونة على القيام بفرضه يرى المن على خلصائه وإسباغ النعم على أوليائه واختصاصهم بالنصيب الأوفر من حبائه والإمالة بهم إلى المنازل الباذخة والرتب الشامخة وإن أحق من وفر قسمه من مواهبه وغزر سهمه من عطاياه ورغائبه من تميز بما تميزت به من إخلاص ومطاوعة وولاءٍ ومشايعةٍ وانقيادٍ ومتابعةٍ وصفاء عقيدة وسريرة وحسن مذهبٍ وسيرة ولذلك رأى أمير المؤمنين أن ينعتك بكذا لاشتياقه هذا النعت من سماتك واستنباطه إياه من صفاتك وشرفك من ملابسه بكذا وطوقك بطوق أو بعقد وقلدك بسيف من سيوفه وعقد لك لواء من ألويته وحملك على كذا من خيله وكذا من مراكبه‏.‏

ويحسن الوصف في كل نوع من هذه الأنواع واشتقاق الألفاظ من معانيه يعرب عن قدر الموهبة فيه‏.‏

ثم يقال‏:‏ إبانةً لك عن مكانك من حضرته وإثابةً على تشميرك في خدمته فالبس تشريفه وتطوق وتقلد ما قلدك به واركب حمولاته وابرز للخاصة والعامة في ملابس نعمائه وارفل في حلل آلائه وزين موكبك بلوائه قل‏:‏ ‏"‏ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ ‏"‏ وأعني على ما يسترهنها لدي وخاطب أمير المؤمنين متلقباً بسمتك متنعتاً بنعتك‏.‏

وهذه نسخة مكاتبة إلى الأفضل بن ولخشي وزير الحافظ لدين الله الفاطمي أحد خلفاء الفاطميين بالديار المصرية حين قرر الحافظ نعوته‏:‏ السيد الأجل الأفضل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين وهي‏:‏ أما بعد فالحمد لله الذي تفرد بالإلهية وتوحد بالقدم والأزلية وأبدع من برأ وخلق وأنشأهم من غير مثال مسبق واصطفى لتدابيرهم في أرضه من بعثه برسالته وجعل ما جاءوا به من الشرائع من أمارة لطفه بهم ودلالته وصلى الله على جدنا محمد رسوله الذي جعل رتبته أخيراً ونبوته أولى فكان أفضل من تقدمه نبياً وسبقه رسولاً وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ذخره لخلافته وأيده بوزارته مع كونه منزلة الاصطفاء وتأييد الوحي الظاهر من غير خفاء بحيث لا يفتقر إلى وزير ولا يحتاج إلى ظهير وإنما جعل ذلك تعليماً لمن يستخلفه في الأرض من عباده وتمثيلاً نص - جل وعز - إلى قصده واعتماده لما فيه من ضم النشر وصلاح البشر وشمول المنافع وعموم الخيرات التي أمن فيها مدافع وعلى الأئمة من ذريتهما العاملين بمرضاته والمتقين له حق تقاته والكافلين له مؤمن بأمانه يوم الفزع الأكبر ونجاته وسلم عليهم أجمعين سلاماً متصلاً إلى يوم الدين‏.‏

والحمد لله الذي جعل النعم التي أسبغها على أمير المؤمنين بحسب ما اختصه به من منزلته التي فضله بها على جميع العالمين فجعله خليفةً في الأرض والشفيع لمن شايعه يوم الحساب والعرض وأجزل له من مننه ما لا يناهضه شكرٌ إلا كان طالعاً ولا يقابله اعتدادٌ إلا استولى عليه العجز فلم يكن بما يجب له طامعاً وإن من أرفعها مكاناً وأعظمها شاناً وأفخمها قدراً وأنبهها ذكراً وأعمها نفعاً وأحسنها صنعاً وأغزرها مادة وأثبتها قاعدة إذا غدت النعم شاردةً نادة وأعودها فائدةص على الخاص والعام وأضمنها للسعد المساعد والحظ الوافر التام - ما كان من المنة الشامخة الذرى والمنحة الشاملة لجميع الورى والعارفة التي اعترف بها التوحيد والإسلام والموهبة التي إذا أنفق كل أحدٍ عمره في وصفها وشكرها فما يعذل ولا يلام والآية التي أظهرها الله للملة الحنيفية على فترة من الرسل والمعجزة التي هدى أهله لها دون كافة الأمة إلى أعدل السبل والبرهان الذي خص به أمير المؤمنين وأظهره في دولته والفضيلة التي أبانت مكانة من الله وكريم منزلته وذلك ما من الله به على الشريعة الهادية والكلمة الباقية والخلافة النبوية والإمامة الحافظية منك أيها السيد الأجل الأفضل ولقد طال قدرك في حلل الثناء وجل استحقاقك عن كل عوض وجزاء وغدت أوصافك مسألة اجتماع وائتلاف فلو كانت مقالة لم يقع بين أرباب الملل شيء من التناقض فيها والاختلاف وأين يبلغ أمد استجابك من منتحيه أو يتسهل إدراك شأوه على مطالبه ومبتغيه والإيمان لو تجسم لكان على السعي على شكرك أعظم مثابر والإسلام لو أمكنه النطق لقام بالدعاء لك خطيباً على المنابر فأما الشرك فلو أبقيته حياً لتصدى وتعرض لكنك أنحيت عليه وأدلت التوحيد منه فانهد بناؤه بحمد الله وتقوض فكان لك في حق الله العضب الذي تقربت به إليه فأرضيته والعزم الذي صممت عليه في نصرة الحق فأمضيته والباطن الذي اطلع عليه منك فنصرك ولم ترق دماً ولا ورعت مسلماً ولا أقلقت أحداً ولا أزعجته ولا عدلت عن منهج صواب لما انتهجته وذلك مما اشترك الكافة في معرفته وتساووا في علم حقيقته مع من كان من تسييرك العساكر المظفرة صحبة أخيك الأجل الأوحد أدام الله به الإمتاع وعضده وأحسن عنه الدفاع وأيده مما جرت الحال فيه بحسن سياستك وفضل سيادتك على أفضل ما عودك الله من بلوغ آمالك من غير أذى لحق أحداً من رجالك والأمر في ذلك أشهر من الإيضاح وأبين من ضياء فلق الصباح وهذا إذا تأمله أمير المؤمنين أوجب عليه أن يقابلك من إحسانه بغاية ما في إمكانه وأن يوليك من منته أقصى ما في استطاعته وقدرته ولم ير أحضر من أن قرر نعوتك السيد الأجل الأفضل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كاف قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين أبو الفتح رضوان الحافظي إذ لا أولى منك بكفالة قضاة دولته وإرشادهم وهداية دعاتها إلى ما فيه نجاة المستجيبين في معادهم وجدد لك ما كان قدمه من تكفيلك أمر مملكته وإعادة القول فيما أسلفه من رده إليك تدبير ما وراء سرير خلافته التذاذاً بتكرار ذلك وترديده وابتهاجاً بيطرية ذكره وتجديده فأمور الملة والدولة معدوقة بتدبيرك وأحوال الأداني والأقاصي موكولة إلى تقريرك وقد جمع لك أمير المؤمنين من استخدام الأقلام وجعل السيادة لك على سائر القضاة والدعاة والحكام وأسجل لك بالاختصاص بالمعالي والانفراد والتوحد بأنواع الرياسات والاستبداد ولك الإبرام والنقض والرفع والخفض والولاية والعزل والتقديم والتأخير والتنويه والتأمير فالمقدم من قدمته والمحمود من حمدته والمؤخر من أخرته والمذموم من ذممته فلا مخالفة لما أحببته ولا معدلة عما أردته ولا تجاوز لما حددته ولا خروج عما دبرته وأين ذلك مما يضمره لك أمير المؤمنين وينوه ويعتقده فيك فلا يزال مدى الدهر يعيده ويبديه ولو لم يكن من بركاتك على دولة أمير المؤمنين ويمن تدبيرك العائد على الإسلام والمسلمين إلا أن أول عسكر جهزته إلى جهاد الكفرة الملاعين وكان له النصر العزيز الذي تبلج فجره والفتح المبين الذي جل قدره وانتشر ذكره والظفر المبهج للدين العسكر المنصور على الطائفة الكافرة قتلاً لأبطالها وأسراً لأعناق رجالها وأخذاً لقلاع الملسرة منها وأنه لم يفلت من جماعتها إلا من يخبر عنها ولو علم أمير المؤمنين تعظيماً يخرج عما تضمنه هذا السجل لما اقتصر عليه إلا أنه عاجله ما يسره فجاهر لك بما هو مستقر لديه والله عز وجل يخدمك السعود ويخصك من مواهبه بما يتجاوز المعهود ويمدك بمواد التوفيق والتأييد ويقضي لك في كل الأمور بما لا موضع فيه للمزيد إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من الكتب السلطانية قد رفض وترك استعماله في زماننا فلا معول عليه أصلاً‏.‏